الخُثَار هو عبارة عن انسداد وعاء دموي نتيجة حدوث تجلّط في الدم "خثرة" تُعيق تدفقه في جزء معين من الجسم. ومن أكثر الأوعية الدموية عرضةً لهذه الحالة هي الأوردة العميقة في الساقين وأوردة منطقة الحوض، وتسمّى حينها بالخُثَار الوريدي العميق.
ويمكن أنْ تؤدّي الإصابة بالخُثَار الوريدي العميق إلى ظهور بعض الأعراض، كالألم الحاد والتورم في موضع تجلط الدم. وعند الاشتباه بوجود خُثَار من خلال تقييم الأعراض، يعمل الطبيب على التحقّق من ذلك باللجوء إلى الإجراءات التصويرية؛ إذ يمكن تشخيص الحالة بواسطة الموجات فوق الصوتية، أو عبر فحص الأوردة بالأشعة السينيّة في وسط تبايني.
ولأنّ العلاج يتوقف بشكل أساسي على الفترة الزمنية لوجود الخُثَار، فيجب إجراء تلك الفحوصات بشكل عاجل. وتتم مراعاة أولوية أهداف العلاج في التعامل مع الحالة، متمثلةً بإزالة الخثرة، واستعادة تدفق الدم، ومحاولة منع انفصال أجزاء من الخثرة المتكوّنة ووصولها مع جريان الدم عبر القلب إلى الرئة والتسبّب بحدوث انسداد خطير في أحد الشرايين الرئوية.
وتلعب جملة من العوامل دوراً في زيادة خطر الإصابة بالخُثَار، من ضمنها كثرة الجلوس، كما تزداد القابلية لحدوث تخثّر الدم بعد العمليات الجراحية، بالذات تلك التي تتم في الورك والركبة والعمود الفقري، أو بعد الولادة، كذلك من أصيبوا بالحالة في وقت سابق.
ويجب على الأشخاص الذين تزيد لديهم مخاطر الإصابة بالخُثَار الوريدي العميق أنْ يتقيَّدوا بالإجراءات الوقائية. وفي هذا الصدد يمكن ارتداء الجوارب الضاغطة المتدرِّجة، والحفاظ على النشاط البدني الكافي، مع الإكثار من شرب السوائل، وإبقاء الساقين ما أمكن في وضع مرتفع قليلاً عن مستوى القلب.
الخُثَار الوريدي العميق هو حالة تنشأ من انسداد أحد الأوردة العميقة في الساقين أو الحوض أو الذراعين بواسطة تجلُّط دموي أو خثرة. وتحمِل الأوردة الدم من أعضاء الجسم إلى القلب، ويؤدّي انسدادها بفعل التجلط إلى انقطاع تدفق الدم في جزء معين من الجسم وتأثُّر العمليات الحيوية فيه، بينما قد تنزاح الخثرة أو أحد أجزائها وتعود عبر الأوردة إلى القلب، الذي يضخها إلى الرئتين، وتعلق هناك في شرايين الرئة، وتؤدي لتبعات خطيرة.
يرجع السبب في حدوث انسداد الوعاء الدموي إلى واحد أو أكثر من الأسباب التالية:
ويُطلق على هذه الآليّات الثلاثة مُصطَلح ثالوث فيرخوف، نسبةً إلى الطبيب الألماني رودولف فيرخوف الذي قام في عام 1856 بوصف تلك الآليّات.
من المهم الاستقصاء عن وجود العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالخُثَار الوريدي العميق، التي تشمل:
يَحدث تخثر الدم بشكل طبيعي استجابة لوجود جرح في أحد الأوعية الدموية؛ وهو بذلك يعد إحدى الآليات المساهمة في استقرار الدم وإيقاف النزيف. لكن قد تنطلق هذه الاستجابة في غير محلها بتأثير الأسباب المذكورة أعلاه؛ إذ قد يتضرر الوريد بفعل الإصابة أو العمليات الجراحية أو الإجراءات الباضعة، فيما تزداد لزوجة الدم مع بطء تدفقه، وتتكون الخثرات الدقيقة، التي تنمو ويزداد حجمها مع الوقت إلى أنْ تبلغ قدراً يخوِّلها بإغلاق الوريد أمام جريان الدم.
وتتكون الخثرة من بروتينات الثرومبين والفيبرين، مع خلايا دم حمراء والقليل من الصُّفَيْحات الدموية. وتنشأ حالة القابلية للتخثر من الاختلالات في التوازن الكيميائي الحيوي بين العوامل الجائلة في الدم؛ حيث تزداد تلك المُفَعِّلة لحدوث التخثر، بينما تقل العوامل المضادة للثرومبين والفيبرين.
تظهر الأعراض في بداية الإصابة بالخُثَار الوريدي العميق بشكل غير نمطي. وبحسب الموقع الذي ينشأ فيه الخُثَار، يؤدّي إلى ظهور علامات وأوجاع مختلفة. وقد تظهر الأعراض وقد لا تظهر، ويتفاوت مدى ظهور بعضها بشكل كبير من شخص لآخر.
وتُعتبر الأعراض التالية من المؤشرات على وجود خُثَار في أوردة الساق العميقة:
وفي حال تطوّر المشكلة إلى انسداد رئوي، تظهر أعراض أخرى إضافية تتعلّق بالتنفس والدورة الدموية. وبحسب شدة الانصمام الرئوي، تتراوح الأعراض من ضيق تنفس ودوار طفيفَيْن وصولاً إلى ضيق تنفس شديد وألم الصدر، خاصة عند التنفس بعمق أو السعال.
عند الاشتباه بوجود خُثَار وريدي عميق، يقوم الطبيب بالتحقّق عبر اللجوء إلى جملة من الفحوص والإجراءات التشخيصية، مثل:
إنّ الهدف الأسمى في معالجة الخُثَار الوريدي العميق هو إزالة الخثرة، وعودة تدفق الدم إلى سابق عهده قبل حدوث المضاعفات الخطرة. ويتوقّف علاج تجلط الدم على فترة وجود الخثرة؛ حيث لا يمكن انحلال الخثرة إلّا في المرحلة الأولى لنشوئها؛ ولذلك تجب المباشرة بالعلاج على وجه السرعة.
وتشمل معالجات الخُثَار الوريدي العميق على ما يلي:
تساعد بعض الأدوية على منع تخثر الدم وإزالة الخثرة المتكونة؛ حيث يُبدأ بحقن دواء "هيبارين" لعدة أيام، ثم قد يُتبع بأنواع أخرى قابلة للحقن، مثل: أنوكسابارين، دالتيبارين، و فوندابارينكس. وقد تُعطى مميعات أخرى على شكل أقراص عن طريق الفم، مثل: وارفارين، و ريفاروكسابان.
وينبغي توخي الحذر عند أخذ هذه الأدوية، بأنْ تُراعَى الجرعات الموصوفة من الطبيب؛ كون الزيادة أو النقصان عن هذه الجرعات قد يترتب عليه عواقب وخيمة، كحدوث النزيف أو التجلط. كما قد يحتاج من يتناول هذا النوع من الأدوية إلى إجراء فحوص دم دورية؛ للتحقق من مدى نجاعة العلاج في ترك التأثير المطلوب دون تعريض الشخص للخطر.
من الممكن أحيانا اللجوء إلى الطرق الجراحية في معالجة الخُثَار الوريدي العميق، خاصة في حال عدم الاستجابة للعلاج بمضادات التخثر، مثل عندما يكون التجلط كبيراً. وتتوفّر تقنيات جراحية مختلفة للتعامل مع الحالة، تضم:
تُعطَى هذه المجموعة الدوائية عن طريق الوريد لإزالة الخثرة الدموية في حال المعاناة من نوع خطير من الخُثَار الوريدي العميق، أو الإصابة بالانصمام الرئوي، أو إن لم تعمل الأدوية الأخرى في علاج الحالة. ويُطلَق على هذه الأدوية اسم مُنشّطات البلازمينوجين النسيجي (TPA). ونظراً لحملها خطر التسبب بنزيف شديد، لا يتم اللجوء لهذه الأدوية إلا في المواقف التي تكون فيها حياة الشخص على المحك، ولا تُعطَى إلا في وحدات العناية المكثفة في المستشفيات.
تساعد هذه الوسيلة على منع التورم المصاحب لخُثَار الأوردة العميقة، كما يُسهم الضغط في تقليل فرص تجمع الدم وتخثره. وتُرتَدَى هذه الجوارب من القدمين ولغاية مستوى الركبة، ويكون ذلك خلال اليوم وعلى مدار سنتين أو ثلاث على الأقل إنْ أمكن ذلك. ومن الإجراءات التي تصب بذات السياق، هو ترك الساقين في وضعية مُرتفعة عن مستوى القلب؛ لتسمح بعودة الدم والسوائل من غير أنْ تتجمع في الطرف السفلي.
يمكن للعديد من التدابير أنْ تقف سداً منيعاً في وجه تطور الإصابة بالخُثَار الوريدي العميق، كما تلعب بعض الإجراءات دوراً في اتقاء مضاعفات هذه الحالة والتأثيرات الجانبية لعلاجاتها. ومن بين التدابير الوقائية:
وإن حدثت الإصابة بالخُثَار الوريدي العميق، فيتوجب استشارة الطبيب حول سبل الوقاية الدوائية التي تحد من تجدّد الإصابة؛ حيث قد تعطى الأدوية المضادة للتخثر، كعلاج وقائي طويل الأمد، ومعها يُنصَح بما يلي:
ويُنصَح من أصيب بهذه الحالة باستخدام وسادة خاصة عند النوم، بحيث تعمل على إبقاء وضع الساقيْن مرتفعاً بمقدار 15 إلى 20 سنتيمتر عن مستوى القلب؛ ليتمكّن الدم من التدفّق عبر الأوردة راجعاً إلى القلب بسهولة أكبر، دون أنْ يتجمّع في أوردة الساق. من جهة ثانية، قد يشير الطبيب بأهلية تركيب مرشِّح للوريد الأجوف السفلي؛ للمساهمة في الحماية من الانصمام الرئوي، عبر منع الخثرات من الوصول إلى القلب الذي قد يضخها للرئتين.
تكون معظم حالات الخُثَار الوريدي العميق خفيّة، وتزول غالباً بشكل تلقائي دون مضاعفات تُذكَر. لكن الفرصة مهيئة في بعض الحالات لتفاقم الوضع، خاصة تلك المترافقة مع انسداد كبير، أو المتمخضة عن حدوث الانصمام الرئوي، الذي تُعزَى إليه معظم وفيات الخُثَار الوريدي العميق، وبنسبة 3% من الحالات.
وتعتمد توقّعات سير حالة الخُثَار الوريدي العميق على السيرة المرضيّة؛ فالمرضى الذين أصيبوا به في السابق هم مُعرّضون لخطر الإصابة مجدّداً، ويجب على الأشخاص حينئذٍ الالتزام الصارم بالإجراءات الوقائية. ومن الأمور الحاسمة في توقّعات تطوّر الحالة هو مدى سرعة المباشرة في الإجراءات العلاجية المناسبة؛ فالخثرة لا تمكن إزالتها بالأدوية الخاصة بذلك إلّا خلال فترة زمنية وجيزة من حدوث الانسداد الوريدي.
يُستخدم مصطلح "الانصمام الخُثَاري" للدلالة على حالة تتضمن حدوث كل من الخُثَار الوريدي العميق والانصمام الرئوي التابع له. وتقدِّر مراجعة منهجية للعبء العالمي للانصمام الخُثَاري، تحت إشراف باحثين من عدة مؤسسات صحية، كبرنامج سلامة المرضى التابع لمنظمة الصحة العالمية، أنّ 10 ملايين حالة من الانصمام الخُثَاري تُسجَّل حول العالم سنوياً. وتتسبَّب مثل هذه الحالات في الولايات المتحدة وأوروبا بوفيات تفوق ما ينجم عن الإيدز وسرطان الثدي وسرطان البروستات وحوادث الطرق، مجتمعة.