السكتة الدماغية، أو ما يُعرَف أحياناً بالنوبة الدماغية أو الجلطة الدماغية، هي نوع شائع ومميت من الأمراض القلبية الوعائية التي تنجم عن انسداد أو تمزق شريان يزود الدماغ بالدم الغني بالأكسجين والمغذيات. وهناك نوعان رئيسيان من السكتة الدماغية، هما: السكتة الدماغية الإقفارية (تسببها خَثْرة تسُد الوعاء الدموي)، والسكتة الدماغية النزفية (تحدث عندما ينفجر شريان مُخّي أو ينزف).
وقد يتجمع النزيف الذي يسبق السكتة الدماغية النزفية ويؤدي إليها داخلَ الدماغ أو في محيطه؛ ما قد يولد ضغطاً على نسيج الدماغ، ويحرم خلاياه من الأكسجين الأساسي لعملها، لتبدأ بالموت. ويعتمد تأثير السكتة الدماغية النزفية على مكان حدوث النزيف، ومقدار التلف الحاصل للدماغ.
وتظهر أعراض السكتة الدماغية النزفية فجأة، وتمكن ملاحظتها على شكل ضعف أو شلل في جانب واحد من الجسم (الأيمن أو الأيسر)، وقد تتأثر القدرة على الكلام والتفكير، كما قد يواجه المصاب صداع شديد مع أو بدون ارتباك. وتستمر هذه الأعراض، عادةً، لأكثر من 24 ساعة، وقد يمتد بعضها لبقية الحياة، خاصة إنْ لم يتم التعامل مع المشكلة في وقت مبكر و/أو لم يحظَ المصاب بعلاج تأهيلي مناسب لتَبِعات الإصابة.
ويجب على كل شخص يُشتبَه بإصابته بالسكتة الدماغية أنْ يخضَع لتصوير دماغي في غضون أربعٍ وعشرين ساعة من بدء الأعراض؛ إذ قد يُجرى ذلك عبر التصوير المقطعي المحوسَب أو الرنين المغناطيسي. ويساعد هذان الاختباران على التفريق بين أنواع السكتة الدماغية، وتقييمها بدقة؛ لتحديد التصرف الأمثل. وقد يستدعي الأمر إجراء مزيد من الاختبارات التشخيصية، كاختبار الدم لعوامل وزمن التخثُّر، وفحوص الشريان السُّباتي المارّ بالرقبة نحو الدماغ.
وتعد السكتة الدماغية النزفية مرضاً يهدد الحياة، ويتطلَّب تدخلاً فورياً. وتركِّز المعالجة الطارئة للسكتة الدماغية النزفية على التحكم بالنزيف، وتقليل الضغط على الدماغ. وقد تُجرى الجراحة أيضاً للمساعدة على تقليل خطر تكرار الإصابة مستقبلاً. إلى ذلك، لا تُستخدَم علاجات السكتة الدماغية الإقفارية، كمُمَيّعات الدم ومضادات الصفائح والأدوية الحالّة للتخثر، في علاج السكتة الدماغية النزفية؛ كونها قد تفاقم النزيف في هذه الحالة.
إنّ ما يصل إلى 80% من السكتات الدماغية هي قابلة للوقاية؛ وبالتالي يملك الشخص فرصة لحماية نفسه من السكتة الدماغية، عبر سيطرته على عوامل الخطر القابلة للتعديل. وتعتبر إدارة فرط ضغط الدم من بين أقوى المقاربات الوقائية لتقليل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية النزفية، كما أنّ الإقلاع عن التدخين والحد من شرب الكحول قد يُعينان على تحقيق ذلك.
السكتة الدماغية النزفية هي مرض يَحدُث عندما يتمزَّق وعاء دموي أو ينزف في الدماغ أو محيطه؛ وتكون النتيجة تسرُّب الدم خلال النسيج الدماغي أو فيما حوله، والذي يحرم الدماغ من الأكسجين اللازم للقيام بالعمليات الحيوية. وعندما يحدث ذلك، تبدأ خلايا الدماغ بالموت؛ ما يؤثر في الوظائف التي تضطلع بها المناطق المصابة.
السبب الرئيس للسكتة الدماغية النزفية هو فرط ضغط الدم، الذي قد يُضعِف الشرايين في الدماغ، ويجعلها عرضة للتشقّق أو الانفجار. ويمكن أنْ تطرأ السكتة الدماغية النزفية من اضطرابات تخثُّر الدم، والمعالجة بمضادات التخثُّر، والتشوهات الشريانية الوريدية. وسيؤتَى على تفصيل العوامل التي قد تؤول إلى السكتة الدماغية النزفية فيما يلي.
يمكن أنْ تحدث السكتة الدماغية النزفية لأي شخص، وفي أي وقت. مع ذلك، يُعرَف عن عوامل معينة زيادتها خطر الإصابة بهذا المرض، مثل:
في النزف داخل المخ، يحدث النزيف مباشرةً في نسيج الدماغ، ويُعتقَد بأنّ الآلية المعهودة لحدوث ذلك هي تسرُّب الدم من شرايين صغيرة داخل المخ، تَتْلف بسبب ارتفاع ضغط الدم المزمن. وللنزف داخل المخ نزوع إلى الحدوث في مواقع محددة في الدماغ، تتضمن المِهَاد، البَطامة، المُخَيْخ، وجذع الدماغ. وبالإضافة إلى الأماكن المتضررة من الدماغ بفعل النزيف، يمكن أنْ يتأذى النسيج الدماغي المحيط به نتيجة الضغط المتولِّد من تأثير كتلة الورم الدموي، وقد يحدث ارتفاع عام في الضغط داخل المخ.
وقد يحدث النزيف أسفل الطبقة العنكبوتية التي تحيط بالدماغ؛ ما قد يؤدي إلى ارتفاع الضغط داخل المخ، وإعاقة التنظيم المخي الذاتي. وقد تحدث تلك التأثيرات بالاشتراك مع تضيُّق وعائي حاد، تكدُّس الصفائح الدموية في الأوعية الدقيقة، وفقدان التروية الوعائية الدقيقة؛ ما ينتهي بانخفاض ساحق في تدفق الدم، وحدوث نقص التروية المخية، ومن ثم موت الخلايا الدماغية.
تختلف أعراض وعلامات السكتة الدماغية من شخص لآخر، لكنّها عادة ما تأتي بغتة. وكما أنّ أجزاء الدماغ المختلفة تتحكم بأجزاء ووظائف مختلفة من الجسم، تكون الأعراض معتمدة على الجزء المصاب من الدماغ، ونطاق التلف الحادث فيه. وتضم المظاهر الرئيسية للسكتة الدماغية:
المعاناة من أعراض السكتة الدماغية قد تشير إلى أنّ الشخص مصاب بالسكتة الدماغية النزفية، ويمكن عندها إجراء عدد من الاختبارات؛ للمساعدة على تأكيد التشخيص، وتحديد سبب وشدة الحالة. وتشمل هذه الاختبارات:
السكتة الدماغية هي حالة طبية طارئة تستدعي تدخُّلاً فورياً؛ حيث قد تقلل المعالجة المبكرة من التأثيرات طويلة الأمد للسكتة، وتحول دون الوفاة بها. وتقتضي الأنواع المختلفة من السكتة الدماغية أنواعاً مختلفة من العلاجات؛ لذا فإنّ التشخيص السريع للحالة، يجعل العلاج أكثر استقامة ومباشرة. ويشتمل علاج السكتة الدماغية النزفية على ما يلي:
قد تتسبب السكتة الدماغية بحالات عجز مؤقت أو دائم، معتمدةً على مدة افتقار الدماغ لتدفق الدم، وعلى أيّ أجزائه تضرُّراً. وتشمل مضاعفات السكتة الدماغية:
الخبر الجيد هو أنّ 80% من إجمالي حالات السكتة الدماغية يمكن اتقاؤها. وتعتمد إمكانية الوقاية من السكتة الدماغية الأولى أو المتكرِّرة على التعامل مع عامل الخطر الكامن وراء إصابة الفرد بالسكتة الدماغية. وتُرَكّز الوقاية على:
يتوقَّف مدى تأثُّر الشخص بالسكتة الدماغية النزفية على مكان وحجم التلف الدماغي الذي خلَّفته السكتة، وقدرة المناطق السليمة من الدماغ على الاضطلاع بوظائف المناطق المتضررة، بالإضافة إلى إعادة التأهيل. وبوجه عام، فإنّ التلف الأقل في نسيج الدماغ يعني في المقابل عجزاً أقل، وفرصاً أفضل لنجاح التعافي. ويحظى الشخص بالفرصة الأوفر لاستعادة قدراته خلال الأشهر القليلة التالية للسكتة، ويتعافى بعض الأشخاص كُلّياً من السكتة الدماغية. أمّا الذين أصيبوا بسكتات أكبر، فربما يعجزون للأبد عن تحريك أحد جنبيهم، أو يفقدون قدرتهم على الكلام. وسيختبر أكثر من ثلثي الناجين نوعاً من العجز، وأكثر من النصف سيعانون من مشكلات دائمة في الكلام والاستيعاب واتخاذ القرار، وقد يواجهون تغيرات سلوكية تؤثر في علاقاتهم الأسرية والاجتماعية.
وطبقاً لجامعة هارفارد الأمريكية، يفارق الحياة حوالي 30-60% من المصابين بنزيف داخل الدماغ. ومن بين الذين يتمكنون من الوصول إلى غرفة الطوارئ وهم على قيد الحياة، يكون النزيف قد توقف مع بدء معاينتهم من قبل الطبيب. والعديد من المصابين بانفجار أمّ الدم أو النزف تحت الطبقة العنكبوتية لا يعيشون بما يكفي لبلوغ المستشفى، ومن بين الذين يستطيعون ذلك، يتوفى 50% خلال الشهر الأول من العلاج. مع ذلك، يتوقف خطر الوفاة في حالات نزف الطبقة تحت العنكبوتية المتمخضة عن التشوهات الشريانية الوريدية عند قرابة 15%.
ويختبر زُهاء ربع الناجين من النزف داخل الدماغ تحسناً ملحوظاً في أعراضهم مع قيام الجسم، بشكل طبيعي وتدريجي، بإعادة امتصاص الدم المحتقن في الدماغ. ومن بين أولئك الناجين من نزيف أمّ الدم، يعاني 50% مشكلات عصبية طويلة الأمد. ويتوفَّر الأشخاص الذين عانوا من نزيف التشوهات الشريانية الوريدية أو أمّ الدم ولم يخضعوا لعلاجها على خطر تكرار الإصابة بحادث نزفي. وإذا لم يتم إصلاح الوعاء الدموي أو استئصاله، يواجه واحد من كل خمسة ناجين من النزف تحت الطبقة العنكبوتية نزيفاً متكرراً خلال 14 يوماً، ونصفهم سينزفون مجدداً في غضون ستة أشهر. وهنالك فرصة جيدة للنجاح عندما تُستخدَم الجراحة لتثبيت أمّ الدم النازفة، لكن ما يزال هناك خطر وفاة وعجز طويل الأمد بنسبة 5%.
استناداً إلى الاتحاد العالمي للقلب، يعاني 15 مليون شخص من السكتة الدماغية كل عام، يفارق الحياة منهم ستة ملايين، ويبقى خمسة ملايين آخرون عاجزين للأبد؛ وبذلك تعتبر السكتة الدماغية المسبب الثاني للوفاة حول العالم بعد مرض القلب التاجي، وكذلك المسبب الثاني للعجز عالمياً بعد الخَرَف. وتحدث السكتة الدماغية بشكل رئيسي بين كبار السن، وهي أقل شيوعاً بين الأشخاص دون سن الأربعين، بالرغم من إمكانية حدوثها. وعند الشباب، يشكل ارتفاع ضغط الدم وداء الخلايا المنجلية (يصيب غالباً الأشخاص من أصول إفريقية ولاتينية) أبرز مسببات السكتة الدماغية.
وتتراجع معدلات حدوث السكتة الدماغية في العديد من الدول المتقدمة؛ ويُعزَى ذلك بشكل كبير إلى التحكم الأفضل بارتفاع ضغط الدم، وانخفاض نسبة المدخنين. مع ذلك، يستمر الرقم الكُلّي للسكتات الدماغية بالتصاعد؛ لأنّ السكان يشيخون. وفي العالم النامي، تزداد معدلات حدوث السكتة الدماغية، وتشير التوقعات إلى أنّ العقدين المقبلين سيشهدان تضاعف الوفيات بالسكتة الدماغية ثلاث مرات في كل من أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط، وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ويتباين توزع أنواع السكتة الدماغية بشكل كبير في الأنحاء المختلفة من العالم وبين الأعراق المختلفة. مع ذلك، يُقَدِّر الاتحاد العالمي للقلب أنّ 80% من مجمل السكتات الدماغية هي سكتات إقفارية، وتكون بذلك الـ 20% المتبقية سكتات نزفية. وبالرغم من أنّ السكتات الدماغية النزفية أقل شيوعاً من نظيراتها الإقفارية، فإنّها تتسبب بنحو 40% من إجمالي الوفيات بالسكتة الدماغية؛ ما يجعلها أشد خطورة متى حدثت، خصوصاً السكتة الدماغية النزفية تحت العنكبوتية.