يمثل التهاب البنكرياس المزمن التهاباً طويل الأمد يزداد سوءاً مع الوقت، ويؤدي إلى تليف البنكرياس وفشل البنكرياس في نهاية المطاف.

يعد سوء تناول المشروبات الكحولية السبب الأكثر شيوعاً لالتهاب البنكرياس المزمن. كما قد تؤدي أسباب أخرى إلى التهاب البنكرياس المزمن، مثل: حصاة البنكرياس أو القناة الصفراء، أو الطفرات الجينية مثل التليف الكيسي، أو أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة، أو فرط ثلاثي غليسيريد الدم، أو فرط كالسيوم الدم، أو فرط الدرقيات. وقد يكون سببه عوامل وراثية أيضاً. وتشمل الأسباب النادرة إصابة البنكرياس، ووجود قنوات مسدودة أو متضيقة في البنكرياس، والتدخين والمعالجة الإشعاعي للبطن. والجدير بالذكر أن هناك بعض حالات التهاب البنكرياس المزمن تبقى مجهولة السبب.

يزيد خطر الإصابة بالتهاب البنكرياس المزمن عند الذكور، والمدخنين، والشباب في المرحلة العمرية ما بين 30-40 سنة.

يمثل استبدال أنسجة البنكرياس بالأنسجة الليفية والتندب النتيجة النهائية لجميع حالات المرض بغض النظر عن المسبب. ويؤدي ذلك مع الوقت إلى عدم قدرة البنكرياس على إنتاج الكمية الكافية من الأنزيمات الهاضمة.

يحتوي البنكرياس على خلايا خارجية الإفراز تفرز الأنزيمات الهاضمة، وخلايا صماء تطلق الهرمونات. وعادة ما تفشل خلايا البنكرياس خارجية الإفراز قبل خلايا الصماء، ويحدث الفشل في وظيفة خلايا الصماء نتيجة لتليف البنكرياس المتقدم.

يشتكي معظم مرضى التهاب البنكرياس المزمن من آلام في البطن تنتشر إلى الخلف، حيث عانى جزء كبير من المرضى من هذا الألم لفترة من الوقت. وتزداد شدة الألم سوءاً مع مرور الوقت. وتشمل الأعراض الأخرى الغثيان، والقيء، والإسهال، وفقدان الوزن.

وقد يعاني مرضى التهاب البنكرياس المزمن في الحالات المتقدمة من أعراض قصور البنكرياس التي تشمل سوء الامتصاص، وزيادة الدهون في البراز، وأعراض مرض السكري.

يتم تشخيص التهاب البنكرياس المزمن من خلال ما يلي:

• التاريخ الطبي.

يظهر المرضى عادة تاريخ من نوبات مزمنة من آلام شرسوفية تنتشر إلى الخلف.

• الفحوصات المخبرية.

قد ترتفع قليلاً مستويات مصل الدم من الأنزيمات الهضمية ليباز وأميلاز نتيجة حدوث تليف واضح للبنكرياس. وعادةً ما تكون مستويات مصل الدم من تلك الأنزيمات الهضمية مرتفعة جداً في الحالات الحادة من التهاب البنكرياس.

إضافة إلى ذلك، قد يصبح مستوى مولد التريبسين في مصل الدم منخفضاً جداً في حالات التهاب البنكرياس المزمن، وهو المشكل الأولي لإنزيم الهضم تريبسين.

كما قد يشير وجود فرط كالسيوم الدم، وفرط ثلاثي غليسيريد الدم إلى الإصابة بالتهاب البنكرياس المزمن.

• الفحوصات التصويرية

يمثل تصوير البنكرياس والقناة الصفراء بالتَّنظير الباطني بالطريق الرَّاجع الطريقة القياسية المستخدمة لتشخيص هذا المرض، فهي توفر التصوير الدقيق لقناة البنكرياس. وقد تكشف الأشعة السينية عن تكلس البنكرياس. كما يعد التصوير المقطعي المحوسب فحصاً حساساً ونوعياً لتشخيص المرض. وقد يكشف هذا الفحص عن وجود تكلس، وتوسع في قنوات البنكرياس، كما قد يكشف وجود مضاعفات مختلفة بدقة. ويمكن أيضاً استخدام تخطيط الصدى بالتنظير الداخلي لتشخيص التهاب البنكرياس المزمن.

• فحوصات أخرى

يعدُّ فحص تحفيز السيكريتين المعيار الذهبي لتشخيص فعالية الآداء الهضمي للبنكرياس والكشف عن قصوره. ويظهر مرضى الحالات المتقدمة ارتفاعاً في مستويات غلوكوز الدم على الريق والعشوائي، بالإضافة إلى زيادة محتوى الدهون في البراز.

عادةً ما يعالج التهاب البنكرياس المزمن عن طريق وقف تناول المشروبات الكحولية، والدعم الغذائي، والسوائل الوريدية ومسكنات الألم. وينبغي اتباع نظام غذائي منخفض الدهون نتيجة لسوء امتصاص الدهون عند مرضى التهاب البنكرياس المزمن، ما قد يساعد على تقليل الأعراض.

كما تعدُّ مكملات إنزيمات البنكرياس مهمةً في حالات التهاب البنكرياس المزمن المتقدمة المتزامنة مع قصور البنكرياس، وقد تساعد أيضاً على تقليل الأعراض.

قد يكون التنظير الداخلي العلاجي ضرورياً للتخلص من الانسدادات، مثل إزالة الحصاة، ويمكن وضع دعامة لمنع أي انسدادات مستقبلية.

من الممكن أن تطلب الحالات الشديدة، أو الحالات التي لا تستجيب للعلاج إلى إجراء جراحي، وتختلف هذه الإجراءات في طبيعتها لكنها تهدف إلى إزالة الانسداد، أو إزالة جزء من البنكرياس، أو إزالته كله.

تتعقد في بعض الحالات الشديدة لالتهاب البنكرياس المزمن بوجود قصور البنكرياس لتسبب سوء الامتصاص والسكري. وقد تسبب وذمة والتهاب البنكرياس انسداد في القناة الصفراء أو الاثني عشر.

يمكن أيضاً أن يسبب التهاب البنكرياس مضاعفات أخرى مثل تراكم السوائل بشكل غير طبيعي في تجويف البطن، وتخثر الوريد الطحالي، وتسرب البنكرياس، بالإضافة إلى تكون كيسات كاذبة بنكرياسية، وهي تجمعات سائلة غنية بأنزيمات البنكرياس.

ويسبب المرض عادة مشاكل نفسية، مثل: الإجهاد، أو القلق، أو الاكتئاب. والجدير بالذكر أيضاً، ارتفاع خطر الإصابة بسرطان البنكرياس عند مرضى التهاب البنكرياس المزمن.

قد يقلل الحد من تناول المشروبات الكحولية، والإقلاع عن التدخين من خطر الإصابة بالتهاب البنكرياس المزمن.

يعد الضرر الناجم عن التهاب البنكرياس المزمن دائم. ويمكن السيطرة على الألم وسوء الامتصاص المرتبط بالمرض عن طريق خيارات العلاج مثل مكملات إنزيمات البنكرياس والجراحة.

ينخفض العمر المتوقع عند مرضى التهاب البنكرياس المزمن. ويرتبط كل من العمر عند التشخيص، والتدخين، والاستمرار في تناول المشروبات الكحولية، ووجود تليف الكبد بتحديد مآل المرض.

وفقاً لدراسة نشرت في "المجلة الأمريكية لأمراض الجهاز الهضمي" أن البقاء على قيد الحياة بشكل عام لمدة 10 سنوات بعد التشخيص كان بنسبة 70%، بينما كان البقاء على قيد الحياة بشكل عام لمدة 20 عاما 45٪.

يرتفع خطر الموت عند مرضى الالتهاب الأكبر سناً أوالمصابين بالتهاب البنكرياس الكحولي. كما يزيد التدخين، أو شرب الكحول، أو تطور تليف الكبد من خطر الموت.

وجدت دراسة نشرت في مجلة " الجمعية الأمريكية لأمراض الجهاز الهضمي"، أن معدل انتشار التهاب البنكرياس المزمن هو 50 لكل 100،000 شخص، ويقدر حدوثه ما بين 5-12 لكل 100،000 شخص.