فشل القلب هو حالة شائعة تستمر مدى الحياة حال الإصابة بها، تتراجع فيها وظيفة القلب بفعل زيادة الضغط داخله، الذي يعمل مع الوقت على تدمير وإضعاف عضلة القلب، مؤدياً إلى عدم قدرته على تزويد خلايا الجسم بكفايتها من الدم الغني بالأكسجين.
ويؤدي نقص التروية الدموية الناجم عن فشل القلب إلى الشعور بالتعب وضيق النَّفَس، بحيث قد تصبح أنشطة الحياة اليومية، كالمشي وصعود الدرج أمراً في غاية الصعوبة. وفي هذه الحالة، قد تنحصر السوائل في الجسم، مسبّبة الوذمة في أنحاء عدة، خصوصاً الرِّجْلَيْن، القدمين، والبطن.
ويستخدم الطبيب فحوصاً لتحديد فيما إذا كان الشخص مصاباً بفشل القلب، ومقدار شدة الحالة. وتتوافر العديد من الاختبارات العامة والخاصة للاستقصاء حول فشل القلب، متضمنةً: تقنيات التصوير المختلفة، عينات الدم، وقياسات نشاط القلب الكهربائي. وتعتبر القسطرة والخزعة القلبيّتان شكلين آخرين من الفحوص التي قد تفيد في تشخيص فشل القلب.
بناءً على ذلك، يضطلع المريض بأنسب العلاجات الممكنة، التي تشمل الالتزام بنمط الحياة الصحي، وأخذ الأدوية الموصوفة بانتظام، و/أو الخضوع لإجراءات طبية تتضمن استخدام أجهزة خاصة تساعد القلب على العمل بشكل صحيح. وتشكل الجراحة أيضاً أحد الخيارات العلاجية.
إنّ فشل القلب هو حالة خطيرة، لا شفاء تامّاً لها، وإنْ استمرت الحالة دون اهتمام، فقد تؤدي إلى حالات أخطر تهدد حياة المصاب، مثل اضطرابات نَظْم القلب والخُثار. مع ذلك، يحظى العديد من المصابين بفشل القلب بحياة ممتعة وكاملة عندما تتم إدارة الحالة جيداً بالعلاج والدعم المناسبَيْن.
فشل القلب، ويُعرَف أيضاً بفشل القلب الاحتقاني، هو حالة مزمنة ومتصاعدة تصبح فيها عضلة القلب غير قادرة على ضخ ما يكفي من الدم للإيفاء بحاجات الجسم. ففي بعض الحالات لا تمكن تعبئة القلب بكمية كافية من الدم، وفي أخرى لا يستطيع القلب ضخ الدم بقوة كافية ليصل إلى سائر الجسم. وقد يعاني بعض الأشخاص من كلا المشكلتين.
كيف يعمل القلب؟
القلب الطبيعي السليم هو مضخة عضلية قوية أكبر قليلاً من حجم قبضة اليد، يعمل على دفع الدم في الجهاز الدوري باستمرار. ويعتمد الجسم على أداء القلب لإيصال الدم الغني بالأكسجين والمغذيات إلى خلايا الجسم، لتتمكن من أداء وظائفها بشكل طبيعي مع حصولها على ما يلزمها من مكونات.
ويتكون القلب من أربع حجرات: أُذَيْنَان (أيمن وأيسر)، وبُطَيْنَان (أيمن وأيسر). ويأخذ الأُذَيْن الأيمن الدم غير المؤكسج من بقية الجسم، ويمرِّره إلى البُطَيْن الأيمن، الذي يرسله بدوره إلى الرئتين ليتم تخليصه من ثاني أكسيد الكربون وتحميله بالأكسجين. بعد ذلك، ينتقل الدم المؤكسج إلى الأُذَيْن الأيسر، ثم إلى البُطَيْن الأيسر، الذي يضخه في النهاية عبر الشرايين إلى أنحاء الجسم، وتستمر الدورة الدموية.
لفشل القلب تصنيفات عديدة، تختلف استناداً إلى المعيار المستخدم في المقارنة بين الحالات.
يتطور فشل القلب، غالباً، بعد قيام حالات أخرى بإضعاف عضلة القلب أو الإضرار بها، ويمكن أنْ يحدث أيضاً إذا أصبح القلب شديد التيبُّس. ومن الأسباب الرئيسة لفشل القلب:
وجود واحد أو أكثر من أسباب فشل القلب المذكورة آنفاً سيزيد من خطر الإصابة بهذه الحالة. وتتضمن عوامل الخطر الأخرى:
أمّا في حالة الإصابة بفشل القلب، تضعف العضلة وتعجز عن توليد القوة الكافية لضخ الدم. ويحاول القلب في البداية تعويض النقص في النِّتاج القلبي عن طريق زيادة سرعة ضرباته، ثمّ بإنشاء مزيد من الكتلة العضلية القلبية؛ لينقبض بشكل أقوى، ويضخ بالتالي دماً أكثر، لكن مع الوقت تصبح الألياف العضلية القلبية متيبِّسة جداً ولا تعود تسدي نفعاً، ويشرع القلب بالنبض دون انتظام.
وبقصور القلب عن ضخّ الدم الواصل إليه، يبدأ الجسم بحصر السوائل خلف الجانب المصاب من القلب؛ حيث تصبح الرئتان محتقنتين بالسوائل عند عجز البُطَين الأيسر عن دفع الدم، فيما تتراكم السوائل في الأطراف السفلية والبطن مع قصور الجانب الأيمن. ويحاول الجسم التغطية على ذلك برفع ضغط الدم لتعويض القوة المفقودة، كما يحوَّل الدم بعيداً عن الأعضاء والأنسجة الأقل أهمية، مثل الكلى.
وتواري هذه المقاربات المؤقتة مشكلة فشل القلب، دون أنْ تحلها. وتستمر الحالة وتتفاقم إلى أنْ لا تعود هذه العمليات التعويضية قادرةً على العمل. وفي النهاية، لا يتمكن القلب والجسم من مجاراة المشكلة، ويختبر المصاب أعراض الحالة، كالتعب وضيق النَّفَس، التي تحضُّه، عادةً، على مراجعة الطبيب.
تنجم معظم مظاهر فشل القلب إما عن تراكم السوائل في الجسم، أو عدم كفاية التروية الدموية للخلايا. ومن العلامات والأعراض الرئيسية لذلك:
وقد لا يدعو أيّ من مظاهر فشل القلب لوحده إلى القلق، لكن إذا اختبر الشخص أكثر من مَظْهَر، فعليه إعلام خبير الرعاية الصحية، والسؤال حول تقييم الحالة الصحية للقلب. هذا وتنحو هذه العلامات والأعراض للاستفحال أكثر مع تقدم الحالة.
يبدأ تقصي فشل القلب بتقييم الأعراض. وإنْ أظهر الفحص السريري – الذي يتضمن الاستماع إلى أصوات القلب والرئة، وقياس ضغط الدم – احتمالية تأثُّر وظيفة القلب، فقد يوعِز حينها الطبيب بإجراء فحوصات محددة للتحقق من المسألة، كما يلي:
قد تساعد نتائج الفحوص الطبية على التحديد سبب وشدّة فشل القلب؛ وذلك يُعين الطبيب على تطوير برنامج علاجي ملائم وفعال للتعامل مع فشل القلب و/ أو الأسباب الكامنة خلفه. ويسهم ذلك الأمر في منع التدهور الحاد في الحالة الصحية، وتخفيف وطأة الأعراض، وكذا استعادة القدرة على أداء أنشطة الحياة اليومية.
ومن المهم أنْ يُعْمَل بمقتضى هذه النصائح الصحية تحت إشراف الطبيب وأخصائي التغذية؛ لتحديد حاجات المريض بدقة، وإيجاد الحلول للمعوقات التي قد تعترض طريقه خلال سيرة التعامل مع الحالة.
وقد يصف الطبيب أدوية أخرى كي تعين على إحكام السيطرة على الحالات الصحية التي تؤثر في وظيفة القلب، وقد تتضمن الأدوية الخافضة للكوليسترول ومميعات الدم. ويتوجب على المصاب بفشل القلب أخذ جميع الأدوية الموصوفة بانتظام، دون تغيير أو إهمال الجرعات، إلّا إذا قرر الطبيب خلاف ذلك.
التقيُّد بعادات صحية يساعد على حماية القلب من التلف، ويقلل فرص الإصابة بفشل القلب، وبخص للأشخاص المعرضين للخطر. ويحتاج اتّقاء هذه الحالة تغييراً في طرق العيش المعتادة، وتحويلها إلى أنماط حياة صحية جديدة. ومن المقاربات الوقائية لفشل القلب:
بالنسبة لمعظم المصابين، يكون فشل القلب حالة طويلة الأجل لا يُرجَى الافتكاك منها؛ حيث تستمر عادةً في التفاقم تدريجياً بمرور الوقت. ويمكن أنْ يعيق فشل القلب بشكل كبير القدرة على مزاولة النشاط البدني، وغالباً ما يكون مميتاً في نهاية المطاف. مع ذلك، يمكن أنْ تساعد المعالجة المبكرة والصحيحة في إبقاء الأعراض تحت السيطرة، ربما لعدة سنوات، ويستطيع المصاب أداء أنشطة الحياة اليومية. وينكبّ الباحثون على دراسة طرق جديدة للتعامل مع فشل القلب ومضاعفاته.
ويمكن أنْ يستمر فشل القلب الحاد مدة قصيرة فقط، ويتحسن بسرعة إنْ تم التدخل على عجل. وقد يساعد التشخيص والمعالجة في وقت مبكر المصابين بفشل القلب (الحاد أو المزمن) على عيش حياة أطول وأفضل. وتعتمد النتائج المستقبلية على كيفية أداء القلب، الأعراض المصاحبة، ومدى الاستجابة للخطة العلاجية والالتزام بها. ويمكن للإدراك السريع للأعراض وابتغاء الرعاية الطبية أنْ يحول دون حدوث الوفاة المبكرة.
ويشكّل فشل القلب 1-4% من إجمالي الإدخالات للمستشفيات، بمعدل مكوث يناهز 5-10 أيام لكل منها. ويُعَاد إدخال ربع هؤلاء تقريباً لذات السبب خلال 30 يوماً من خروجهم أوّل مرة. ويفارق الحياة ما يتراوح بين 17 و45% من المُدْخَلين إلى المستشفى بفشل القلب خلال سنة واحدة من الإدخال، ولا يتمكن معظمهم من تجاوز عتبة الخمس سنوات. هذه الحقائق تمت الإشارة إليها من قبل خدمات الصحة الوطنية البريطانية، والبرنامج العالمي للتوعية بفشل القلب.
مع ذلك، تحسنت حديثاً معدلات بقاء المصابين بفشل القلب على قيد الحياة في العديد من أصقاع العالم، وذلك بالتوازي مع المعالجات الحديثة ونُظُم إدارة المرضى، لكن يبقى المستقبل المنظور للحالة فقيراً، ومعدلات البقاء أسوأ ممّا هي عليه في حالات سرطان القولون والثدي والبروستات، على سبيل المقارنة؛ وقد يرجع ذلك إلى انبثاق فشل القلب من عدة مشكلات صحية كامنة تساهم في تعقيد الموقف.
يعتبر فشل القلب حالة صحية شائعة جداً. ومرة أخرى وفقاً لخدمات الصحة الوطنية البريطانية، يقدَّر وجود 26 مليون شخص يعاني من فشل القلب حول العالم. ويزداد خطر الإصابة بهذه الحالة مع تقدم العمر، خصوصاً في الخامسة والستين فما فوقها؛ حيث تتضاعف فرص حدوث فشل القلب كل عقد بعد هذه السنّ. وفي الدول المتقدمة، يُتَوقَّع أنّ واحداً من كل 5 أشخاص سيتطور لديه فشل القلب في فترة ما من حياته. ونظراً لخوض الدول النامية غمار التحولات الاقتصادية والاجتماعية، يصبح انتشار فشل القلب فيها مشابهاً لدول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية.
وفشل القلب أكثر حدوثاً بين الرجال، لكنّ معدلات الانتشار الكلية تتماثل بين كلا الجنسين؛ نظراً لعيش النساء فترة أطول من الرجال بعد تشخيص الإصابة بالحالة. وتتجه النساء ليكنّ في سنّ أكبر عند تشخيص فشل القلب، وغالباً ما يُصَبْنَ أكثر بالفشل الانبساطي، مقارنةً بالرجال. إلى ذلك، تتباين مواقف الحياة بين الرجال والنساء حال الإصابة بفشل القلب. فبينما توصَف المعوقات البدنية والاجتماعية المؤثرة في الأنشطة الحياتية كأكثر الأمور إزعاجاً بالنسبة للرجال، تشكل المعوقات المؤثرة في احتمالية الحصول على الدعم من العائلة والأصدقاء أصعب الأمور تقبُّلاً لدى النساء.