يُعرف التهاب القولون التقرحي على أنه أحد أنواع داء الأمعاء الالتهابي، كما ويُعرف بكونه مرضاً مزمنا يؤدي لحدوث التهابات وتقرحات تصيب البطانة الداخلية للأمعاء الغليظة أو القولون، كذلك فإنه يتميز بوجود تناوب لفترات من الاحتدام يكون فيها نشطاً وفترات أخرى من السكون يكون فيها قليل الأعراض أو بدون أعراض على الإطلاق، كما وتتراوح شِدة المرض من خفيفة إلى شديدة.
لم يتم تحديد السبب الدقيق وراء حدوث التهاب القولون التقرحي، لكن عوامل خطر الإصابة بالتهاب القولون التقرحي يُمكن أن تشمل على كل من: الاستجابة المناعية الشاذة التي يقوم من خلالها الجهاز المناعي بمهاجمة البكتيريا القاطنة في القولون بشكل خاطئ، وتاريخ العائلة مع المرض بالإضافة لعوامل بيئية مثل تلوث الهواء. كذلك فإن هناك عوامل محتملة أخرى يُمكنها أن تزيد من خطر الإصابة، منها استخدام مضادات الالتهاب اللاستيرودية، ومضادات الحمل الفموية، بالإضافة لاستهلاك منتجات الحليب. ولقد لوحظ وجود تغيرات تمس بُنية ووظيفة الجهاز المناعي عند المرضى المُصابون بالتهاب القولون التقرحي مثل وجود أضداد مضادات القولون، كما لوحظ أن الجهاز المناعي يقوم في النهاية بمهاجمة خلايا البطانة الداخلية للقولون؛ مما يؤدي لظهور السلائل الالتهابية.
يُعد الإسهال المُصاحب للدم والقيح وللإزعاج البطني على أنه العرض الأكثر شيوعاً عند مرضى التهاب القولون التقرحي. أما لتشخيص التهاب القولون التقرحي فإن المناظير تُعد الطريقة الأفضل والأكثر دقة للقيام بذلك، حيث تُستخدم طريقتين بالعادة، هُما: تنظير القولون والتنظير السيني المرن، كما وقد تؤخذ خزعة أحياناً من الأمعاء خلال التنظير وقد يأمر الطبيب بإجراء المزيد من الفحوصات الإضافية مثل فحوص الدم والبراز.
يهدف علاج التهاب القولون التقرحي لاحتواء الأعراض ولزيادة الفترة الواقعة بين احتدام الأعراض وتقليل شِدتها، حيث يبدأ العلاج بالعادة باستخدام أنواع مختلفة من الأدوية اعتماداً على شدة المرض، كما بالإمكان أن تُصبح الجراحة ضرورية بحالات محددة من المرض حين يكون شديداً جداً لدرجة التسبب بوقوع مضاعفات أو عندما لا يُظهر المريض استجابة عند استخدام الأدوية.
تشمل الأدوية المصروفة للمرضى الذين يُعانون من التهاب القولون التقرحي كلاً من الأمينوساليسيلات، والكورتيكوستيرويد، والأدوية المُعدلة للمناعة، بالإضافة للأدوية البيولوجية التي تُعرف أيضاً بمضادات عوامل نخر الورم. أما بالنسبة للإجراءات الجراحية فإنها تشمل استئصال المستقيم والقولون وفغر اللفائفي.
تشمل المضاعفات التي قد تنتج عن التهاب القولون التقرحي كل من ظهور الدم في البراز، وسوء الامتصاص، والجفاف، وزيادة خطر الإصابة بسرطان القولون، بالإضافة لأمراض الكبد وتضخم القولون الذي ينتج عن اتساع القولون بسبب الالتهاب. وتُعد الوقاية من التهاب القولون التقرحي أمراً شبه مستحيل والسبب بذلك يرجع أساساً إلى الجهل بمسببه. أما عند المرضي الذين يُعانون أصلاً من المرض فإن الوقاية تشمل على منع حدوث نوبات مستقبلية للمرض عن طريق المحافظة على أخذ العلاج الفعال. ويُمكن كذلك تخفيف شِدة أعراض المرض عن بعض المرضى عن طريق تجنب أنواع أطعمة معينة مثل منتجات الألبان، والقهوة، والأطعمة المُبهرة، والكحوليات على الرغم من أنه لم يُشار إلى عد العوامل الغذائية كمسبب لنوبات احتدام المرض.
يُصنف المآل العام للمرضى المُصابين بالتهاب القولون التقرحي على أنه جيد، بينما يتواجد هناك مرضى سيُعانون من ارتفاع خطر الوفاة بالمرض، مثل أولئك الذين يعانون من نوبات احتدام مرضية حادة وشديدة، وأولئك الذين يُعانون من التهاب موسع في الأمعاء الغليظة، والمرضى الكبار بالسن، بالإضافة لأولئك الذين أصيبوا بمرض كبدي وأولئك الذين أصيبوا بسرطان القولون. كذلك فإنَّ المرضى الذين تطور عندهم المرض لحد وجوب إجراء تدخل جراحي لهم، سيُعانون من معوقات نفسية واجتماعية على إثر التعايش مع إجراء عملية فغر اللفائفي أو الجيبة اللفائفية الشرجية.
يُعد التهاب القولون التقرحي مرضاً مُزمناً ويؤثر على الأمعاء الغليظة أو القولون، كما ويُصنف كنوع رئيسي من أنواع داء الأمعاء الالتهابي، إذ يتسبب التهاب القولون التقرحي بحدوث التهاب وظهور للتقرحات على البطانة الداخلية للأمعاء الغليظة منتجاً دم أو قيح، كذلك فإن هذا المرض يتميز بوجود تناوب لفترات من الاحتدام يكون فيها نشطاً وفترات أخرى من السكون يكون فيها قليل الأعراض أو بدون أعراض على الإطلاق.
يمتلك التهاب القولون التقرحي درجات عديدة من الشِدة، حيث يُصنف حسب الشدة إلى:
ما زال السبب الدقيق الذي يقف وراء التهاب القولون التقرحي غير محددٍ، لكن الباحثين يعتقدون أن هناك ثلاثة عوامل على علاقة بالإصابة بمرض التهاب القولون التقرحي، وهذه العوامل هي: الاستجابة المناعية الشاذة بالإضافة لعوامل جينية وعوامل بيئية سيتم شرحها بمزيد من التفاصيل تحت عنوان عوامل خطر الإصابة بالتهاب القولون التقرحي.
تشمل العوامل التي يُمكنها أن تلعب دوراً في التسبب بحدوث التهاب القولون التقرحي على كلاً من:
هناك أيضاً نظرية أخرى تنص على وجود عدوى بكتيرية أو فيروسية تقوم بدفع الجهاز المناعي للعمل بدون توقف حتى بعد القضاء على العدوى؛ مما يُسبب التهاباً مُستمراً للأمعاء الغليظة.
كذلك فقد تم تحديد ربط زيادة استهلاك منتجات الألبان وتقليل استهلاك الغذاء منخفض الألياف مع ارتفاع خطر حدوث انتكاسة مرضية.
يُشته ايضاً بلعب دور للأطعمة الغنية بالكبريت التي تحتوي على كميات كبيرة من الأحماض الأمينية الغنية بالكبريت، في زياد احتمالية حدوث انتكاسة مرضية مثل اللحوم الحمراء، والسمك، والمكسرات، والجبنة، والحليب، والكحوليات، والبيض.
يُمكن كذلك لعوامل أخرى أن تُسبب ارتفاعا طفيفاً على خطر الإصابة بالتهاب القولون التقرحي، مثل:
لوحظ وجود تغييرات عديدة فيما يتعلق ببنية ووظيفة الجهاز المناعي عند المرضى المُصابين بالتهاب القولون التقرحي حيث تتجمع المجموعات الفرعية للخلايا التائية في الصفيحة المخصوصة للجزء المُتضرر من القولون، كما تُعرف الصفيحة المخصوصة بكونها طبقة رقيقة من النسيج الضام الموجود تحت الظهارة لِتقوم مع الظهارة بتشكيل النسيج المخاطي.
تُعد هذه الخلايا التائية على أنها سامة للخلايا ظهارة القولون عند المرضى المُصابين بالتهاب القولون التقرحي، مما يُسبب زيادة بعدد الخلايا البائية وخلايا البلازما مؤديا كذلك لزيادة تصنيع اضداد الغلوبين المناعي "جي" والغلوبين المناعي "أي".
كما تم ضبط وجود اضداد مضادات القولون عند المرضى المُصابين بالتهاب القولون التقرحي، بالإضافة لوجود اضداد للعضلات الملساء واضداد لمضادات هياكل الخلايا عند عدد قليل من المرضى المُصابون بالتهاب القولون التقرحي.
يقوم مرضى التهاب القولون التقرحي غير المُعالجين بإظهار علامات التهاب القولون النشط الذي هو عبارة عن التهاب البطانة الداخلية للقولون الذي تقوم عنده العدلات التي هي خلايا مرتبطة بالجهاز المناعية، بغزو ظهارة خلايا الغُدد المعوية التي تُسمى أيضاً بخَبايا ليبركون، كما يُمكنها التجمع في لُمعة او الفراغ الداخلي لهذه الخلايا.
تؤدي هذه الاجتياحات إلى حدوث تغيرات على بُنية خلايا الغُدد المعوية بعد مرور فترة زمنية معينة، حيث تشمل هذه التغيرات على:
بالإضافة لهذه التغيرات المجهرية فإن الخلايا الكأسية المعدية سوف تقوم إخراج المخاط.
يحدث أيضاً تآكل أو تقرح للغشاء المخاطي في الأمعاء عند المرضى المُصابين بالتهاب القولون التقرحي النشط، حيث يقوم النسيج الحُبيبي بتغطية المناطق المتقرحة بفضل كونه عبارة عن تشكيل من النسيج ضام يقوم بتغطية سطوح الجروح كجزء من عملية الشفاء، كذلك فإن تأكل النسيج المخاطي للأمعاء بالإضافة لوجود كمية مفرطة من النسيج الحُبيبي ستتسبب بتشكيل للسلائل الالتهابية التي تُسمى أيضاً بالسلائل الكاذبة.
عرف التهاب القولون التقرحي بكونه مرضاً مُترقياً أو تدريجياً، حيث يبدأ خفيفاً بالعادة ليتطور ليُصبح أكثر شِدة مع مرور الوقت، كما وتتراوح شِدة المرض من خفيفة إلى شديدة بالاعتماد على جزء القولون المُتضرر.
يقوم المرضى المُصابون بالتهاب القولون التقرحي بإظهار علامات وأعراض، التالي عبارة عن أكثر هذه العلامات والأعراض شيوعاً:
يُمكن لأعراض أخرى أن تشمل على كل من:
يُمكن كذلك ذِكر أعراض أقل شيوعاً، مثل:
يتخذ التهاب القولون التقرحي مساراً خاطفاً عند 10% من الأشخاص حيث يظهر بشكل مفاجئ وشديد لِيعاني الأشخاص من أعراض شديدة شاملة لـ:
يتم تشخيص التهاب القولون التقرحي باستعمال التاريخ الطبي للمريض، والفحص البدني، بالإضافة للفحوصات المخبرية المناظير لفحص الأمعاء الغليظة.
كذلك يُمكن فحص عينة الدم بحثاً عن الوسمات المناعية التي هي اضداد محددة ترتبط غالباً مع التهاب القولون التقرحي. كما يتم العمل بفحوصات البراز من أجل استبعاد أسباب محتملة أخرى للأمراض المعدية المعوية مثل العدوى.
لم يتم إيجاد علاج طبي فعال لعلاج التهاب القولون التقرحي بينما تتركز العلاجات الموجودة على مُعالجة الأعراض، وزيادة مدة الفترة الواقعة بين فترات احتدام اعراض المرض والتخفيف من شدتها. يُمكن للخيارات العلاجية أن تشمل:
يُمكن أيضا استعمال ادوية أخرى لعلاج مرضى التهاب القولون التقرحي، مثل:
يؤدي التهاب القولون التقرحي إلى العديد من المضاعفات، منها:
يُمكن عند القيام بالجراحة لعلاج التهاب القولون التقرحي أن يؤدي إلى ظهور العديد من المضاعفات، منها:
يُصبح من شبه المُستحيل أن تتم الوقاية عند الأخذ بعين الاعتبار أن سبب حدوث التهاب القولون التقرحي غير معروف، لكن وعلى أي حال فإنَّ بإمكان الوقاية أن تشمل تجنب حدوث فترات احتدام المرض عن طريق المحافظة على العلاج الفعال عند المرضى المُصابين بالتهاب القولون التقرحي، كما يُمكن للأدوية المُستخدمة لعلاج المرض بجانب الكورتيكوستيرويد أن تُساهم بمنع حدوث نوبات مُستقبلية للمرض.
ينصح الأطباء المرضى بالمحافظة على وجود يومية أو مُذكرة لتسجيل أسماء الأطعمة التي تُساعد أو التي تزيد من حِدة أعراض المرض، كما يُمكن لنصائح غذائية أخرى أن تشمل الحد من استهلاك منتجات الألبان، وتجنب الأطعمة الغنية بالدهن، وتقليل الألياف عن طريق الحد من أطعمة مثل الملفوف والقرنبيط، وتجنب الكحوليات والأطعمة المُبهرة والقهوة، بالإضافة لشرب كميات كبيرة من الماء. ويُمكن للتوتر أن يلعب دوراً في التسبب بحدوث نوبات من التهاب القولون التقرحي لذلك فإنَّ طُرق إدارة التوتر، مثل: ممارسة التمارين، والاسترخاء، وممارسة أساليب التنفس المختلفة قد يُمكنها تقليل فرص حدوث فترات احتدام للمرض.
يُصنف المآل العام للمرضى المُصابون بالتهاب القولون التقرحي على أنه جيد، وتعتمد النتيجة النهاية للمرض على معدل انتكاسة المرض أو عودته وعلى المضاعفات التي قد تنشأ عنه، كما يزيد خطر الوفاة بالمرض عند أولئك الذين يعانون من نوبات احتدام مرضية حادة وشديدة، وأولئك الذين يُعانون من التهاب موسع في الأمعاء الغليظة، والمرضى الكبار بالسن، بالإضافة لأولئك الذين أصيبوا بمرض كبدي وأولئك الذين أصيبوا بسرطان القولون.
يتراوح المسار السريري أو المرضي للمرض من حد كونه غير فعال حيث يكون هناك فترات طويلة خالية من حدوث احتدام للمرض إلى حد كونه خاطفاً حيث يكون شديداً ومفاجئاً. يُمكن للمرض أن يزيد سوءاً مع مرور الوقت عند خُمس المرضى على الرغم من تلقي العلاج، بينما يستجيب المرض للعلاج عند غالبية المرضى ويُصبح غير فعال أو متقطع الفاعلية على الأقل.
على الرغم من التحسين الواقع على الصحة العامة للمرضى وتقليل خطر الإصابة بسرطان القولوني المُستقيمي، فإنَّ عملية استئصال القولون تقوم بفرض قيود على الواقع الاجتماعي والنفسي عند المرضى الذين يتعايشون مع عملية فغر اللفائفي أو الجيبة اللفائفية الشرجية.
وفقاً لِمُراجعة نُشرت في المجلة الأمريكية " طب الجهاز الهضمي"، فإنَّ انتشار مرض التهاب القولون التقرحي في أوروبا كان 505 لكل 100,000 شخص، بينما كان 249 لكل 100,000 شخص في أمريكا الشمالية.
كذلك فإن المرض كثيراً ما يؤثر على غير المدخنين منه عند المدخنين.